سورة التوبة - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)}
يقول تعالى منكرا على المنافقين الذين هم على خلاف صفات المؤمنين، ولما كان المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كان هؤلاء {يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} أي: عن الإنفاق في سبيل الله، {نَسُوا اللَّهَ} أي: نسوا ذكر الله، {فَنَسِيَهُمْ} أي: عاملهم معاملة من نسيهم، كقوله تعالى: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الجاثية: 34] {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} أي: الخارجون عن طريق الحق، الداخلون في طريق الضلالة.
وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ} أي: على هذا الصنيع الذي ذكر عنهم، {خَالِدِينَ فِيهَا} أي: ماكثين فيها مخلدين، هم والكفار، {هِيَ حَسْبُهُمْ} أي: كفايتهم في العذاب، {وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ} أي: طردهم وأبعدهم، {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}.


{كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)}
يقول تعالى: أصاب هؤلاء من عذاب الله في الدنيا والآخرة كما أصاب من قبلهم، وقد كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا، {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ} قال الحسن البصري: بدينهم، {كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} أي: في الكذب والباطل، {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أي: بطلت مساعيهم، فلا ثواب لهم عليها لأنها فاسدة {فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}؛ لأنهم لم يحصل لهم عليها ثواب.
قال ابن جُرَيْج عن عُمَر بن عَطَاء، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس في قوله: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الآية، قال ابن عباس: ما أشبه الليلة بالبارحة، {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} هؤلاء بنو إسرائيل، شبهنا بهم، لا أعلم إلا أنه قال: «والذي نفسي بيده، لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جُحر ضَبٍّ لدخلتموه».
قال ابن جُرَيْج: وأخبرني زياد بن سعد، عن محمد بن زيد بن مهاجر، عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لتتبعن سَنَن الذين من قبلكم، شبرا بشبر، وذراعا بذراع، وباعا بباع، حتى لو دخلوا جُحْر ضَبٍّ لدخلتموه». قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ أهل الكتاب؟ قال: «فَمَه».
وهكذا رواه أبو مَعْشَر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره وزاد: قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم القرآن. {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ} قال أبو هريرة: الخلاق: الدين. {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} قالوا: يا رسول الله، كما صنعت فارس والروم؟ قال: «فهل الناس إلا هم».
وهذا الحديث له شاهد في الصحيح.


{أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)}
يقول تعالى واعظا لهؤلاء المنافقين المكذبين للرسل: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: ألم تخبروا خبر من كان قبلكم من الأمم المكذبة للرسل {قَوْمِ نُوحٍ} وما أصابهم من الغرق العام لجميع أهل الأرض، إلا من آمن بعبده ورسوله نوح، عليه السلام، {وَعَادٍ} كيف أهلكوا بالريح العقيم، لما كذبوا هودا، عليه السلام، {وَثَمُودَ} كيف أخذتهم الصيحة لما كذبوا صالحا، عليه السلام، وعقروا الناقة، {وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ} كيف نصره الله عليهم وأيده بالمعجزات الظاهرة عليهم، وأهلك ملكهم النمروذ بن كنعان بن كوش الكنعاني لعنه الله، {وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ} وهم قوم شعيب، عليه السلام، وكيف أصابتهم الرجفة والصيحة وعذاب يوم الظلة، {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} قوم لوط، وقد كانوا يسكنون في مدائن، وقال في الآية الأخرى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النجم: 53] أي: الأمة المؤتفكة، وقيل: أم قراهم، وهي سدوم. والغرض: أن الله تعالى أهلكهم عن آخرهم بتكذيبهم نبي الله لوطا، عليه السلام، وإتيانهم الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين.
{أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} أي: بالحجج والدلائل القاطعات، {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} أي: بإهلاكه إياهم؛ لأنه أقام عليهم الحجة بإرسال الرسل وإزاحة العلل {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أي: بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم الحق، فصاروا إلى ما صاروا إليه من العذاب والدمار.

10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17